<div> تأسست نالاندا في القرن الخامس بواسطة الملك كومارجوبتا من إمبراطورية غوبتا، وأصبحت منارة للتفوق الفكري وشكلت تعاليمها صخرة الأساس للعلوم والتكنولوجيا الحديثة.
أصبح العلماء متأثرين عاطفياً عندما شهدوا في يوم 19 يونيو افتتاح الحرم الجامعي الجديد في جامعة نالاندا القديمة المشهورة على يد رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

هذه المناسبة الهامة تشكل علامة فارقة في إعادة إحياء هذه المؤسسة القديمة، مما أضفى طابعا تاريخيا مهما على الحدث. كما أنها كانت تذكيرا مؤثرا بماضي الجامعة العريق والمستقبل الواعد الذي يقبع أمامها.

تاريخ جامعة نالاندا

تقع الجامعة القديمة نالاندا في ولاية بيهار في الهند الحديثة، وكانت ليست فقط الأقدم ولكنها كانت أيضا أكبر جامعة سكنية في العالم.

مع وجود تعداد طلابي يفوق الـ10,000 طالب وهيئة تدريسية تضم 2000 عضو، كانت نالاندا مركزا مزدهرا لمختلف مجالات الدراسة بما في ذلك الرياضيات، والفلك، والطب، والدين، والفلسفة، والعلوم. إذ لا يمكن التقليل من أهميتها في مجال المعرفة.

تأسست في القرن الخامس على يدي الملك كومارغوبتا من إمبراطورية غوبتا، أصبحت نالاندا منارة للتفوق الفكري وتشكل تعاليمها حجر الزاوية للعلوم والتكنولوجيا في العصر الحديث.

إرث الجامعة الغني ما يزال ظاهرا اليوم وقد تم الاعتراف بها كموقع تراث عالمي لليونسكو.

بطريقة مأساوية، انتهى عهد نالاندا بشكل غير متوقع في القرن الثاني عشر عندما تم التخريب وإضرام النار فيها على يدي المحتل التركي الأفغاني بختيار خلجي.

وكانت الخسائر كارثية، مع احتراق حرم الجامعة بجانب مكتبتها التي تضم أكثر من 9 ملايين كتاب والعديد من المباني الأخرى، واستمر الحريق لمدة ستة أشهر.

الشهادة على نظام التعليم القديم في الهند

أكد رئيس الوزراء ناريندرا مودي بشكل مناسب في كلمته الافتتاحية، بينما يمكن تدمير المباني، فإن المعرفة لا يمكن. وقد لعبت المعرفة التي صدرت من نالاندا دورا عميقا في تطوير البشرية.

فكان في نالاندا حيث تم تطوير مفهوم "الصفر" تحت إشراف الفلكي الشهير أرياباتا، الذي لعب دورًا رئيسيًا في قيادة الجامعة إلى الشهرة الدولية.

جذبت شهرة نالاندا العلماء والطلاب من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الرحالة الصيني المشهور هوين تسانغ، الذي قضى عامين في الجامعة خلال زيارته للهند من 630 إلى 643 بعد الميلاد.

تعد قصة نالاندا شهادة على إنجازات نظام التعليم القديم في الهند. وتقف أنقاضها كتذكير للقوة الفكرية والسعي وراء المعرفة التي ميزت الجامعة.

بصفتها موقعًا للتراث العالمي لليونسكو، يجب أن تلهم نالاندا القيادة الهندية لتحويل البلاد إلى مركز عالمي للمعرفة والتعليم.

ما زالت إرث نالاندا مستمرة، وقد ضمنت تعاليمها الأساس للتقدم في مختلف المجالات التي نشهدها في الوقت الحاضر.

قد يكون تدمير نالاندا كان مأساة، ولكن تأثيرها المستمر على عالم المعرفة هو شهادة على الروح اللانهزامية للفكر البشري.

إعادة إحياء جامعة نالاندا

تعرفنا على تاريخ نالاندا الغني أساسا من خلال الحسابات المفصلة التي قدمها هوين تسانغ، الذي وصف بدقة حياة وأوقات الجامعة.

من المدهش أن جامعة نالاندا قد تم إنشاؤها أكثر من 500 عام قبل تأسيس جامعة أكسفورد في عام 1096 م في إنجلترا. الفجوة الزمنية الهائلة تبرز أهمية نالاندا وعتقها كمؤسسة تعليمية بشكل كبير.

في حين أنه سيكون من الصعب تكرار تقاليد التدريس والبحث، بالإضافة إلى المرافق الاستثنائية التي كانت مزدهرة في نالاندا ، فقد بذلت حكومة الهند، بالتعاون مع 17 دولة عضو في منظمة شرق آسيا، جهدا مشهودا لإعادة إحياء التقاليد الفريدة التي أنشأتها إدارة الجامعة.

تسعى جامعة نالاندا المحياة، التي تقع بالقرب من أنقاض المركب الجامعي الأصلي، لتعزيز الجو الدولي. وكانت الرغبة في إعادة هذا المركب التعليمي والتعلم بدأت على يدي الرئيس السابق المحترم الدكتور عبد الكلام.

وقد تم اتخاذ الخطوة الأولى العملية نحو إعادة إحياء الجامعة خلال قمة شرق آسيا 2007 التي عقدت في الفلبين، حيث تم تأييد اقتراح لإعادة بدء الجامعة بالتعاون الدولي.

رغم أن التدريس بدأ في البداية بكلية صغيرة في مجمع مستأجر في عام 2014، فقد كشفت الجامعة الآن عن مجمع يمتد على مساحة 455 فدانًا، قادر على استيعاب 7500 طالب ومعلم.

قام المهندسون المعماريون ببذل جهد شديد لإعادة إنشاء الجوانب المعمارية والجغرافية التي كانت توفرها الجامعة القديمة.

رمز لتراث الهند الأكاديمي

أثناء افتتاح هذا الحرم الجامعي الضخم، أعرب رئيس الوزراء مودي، في حضور الدكتور إس. جايشانكار، وزير الشؤون الخارجية، وسفراء من 17 بلدًا، عن اعتقاده بأن إعادة بناء الجامعة القديمة ستشهد عصرًا ذهبيًا للهند.

أشاد رئيس الوزراء بتاريخ نالاندا الغني، مشددا على أهميتها باعتبارها رمزًا للتراث الأكاديمي للهند والتبادل الثقافي الحيوي. وأكد أيضًا أن إعادة إحياء نالاندا ليست مجرد نهضة للماضي الثقافي للهند، ولكنها أيضًا شهادة على التراث المشترك للعديد من البلدان المتصلة بهذا المكان المحترم.

تعكس كلمات رئيس الوزراء الأثر العميق والأهمية العالمية لجامعة نالاندا، مما يجعلها منارة للمعرفة والتبادل الثقافي ليعجب بها العالم.

شدد الدكتور جايشانكر على أهمية إعادة إحياء جسر التعلم العالمي في خطابه. وأعرب عن اعتقاده بأن هذا الجسر لديه القدرة على تعزيز العلاقات التي تتجاوز تلك الماضية.

ملأت هذه المناسبة الهامة الهند بالفخر وإحساس بالتاريخ. من خلال هذه الجامعة، سوف يكتسب العالم فهمًا لتقاليد الهند الغنية بالمعرفة ومساهماتها اللا تقدر بثمن في مختلف المجالات مثل الرياضيات، والفلك، والعلوم والتكنولوجيا، والدين، والفلسفة.

الخاتمة

لم تكن الهند مجرد موطن لجامعة نالاندا ولكنها تتميز أيضا بالعديد من الجامعات الأخرى القديمة التي صمدت تحت اختبار الزمن لآلاف السنين.

مثال على ذلك جامعة تاكشاشيلا، التي تأسست في عام 700 قبل الميلاد، والتي تعتبر أقدم جامعة هندية وتقع في باكستان الحديثة.

توافد العلماء من مختلف المناطق إلى تاكشاشيلا لدراسة مواضيع مثل الرياضيات، والقانون، والطب، والفلسفة.

وكانت جامعة فيكرامشيلا منافسة بارزة أخرى لنالاندا، التي جذبت الطلاب من الهند، والتبت، والصين، وغيرها من المناطق. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجامعات الأقل شهرة مثل جامعة بوشباغيري، وجامعة فالابهي، وجامعة أودانتابوري، وجامعة جاغدالا مهافيهارا كانت تزدهر أيضا خلال هذا العصر.

يحتوي المجمع الجديد لجامعة نالاندا حاليًا على ست مدارس، تختص كل منها في مجالات دراسية مختلفة. تشمل هذه المدارس
الدراسات التاريخية، وعلوم البيئة والدراسات البيئية، والدراسات البوذية، والفلسفة والديانات المقارنة، واللغات والأدب، والعلوم الإنسانية، والدراسات الادارية والعلاقات الدولية.

من الجدير بالذكر أن الجامعة حققت مشاركة دولية، مع مشاركة 17 دولة أخرى، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا والبرتغال وسنغافورة وكوريا الجنوبية وسريلانكا وتايلاند، في برامجها ومبادراتها.

*** مؤلف المقال هو صحفي كبير ومحلل للشؤون الاستراتيجية ؛ الآراء المعبر عنها هنا هي شخصية له  
(ظهر هذا المقال لأول مرة في INN)